العمل التطوعي.. جهد بلا مقابل يزرع الأمل في قلوب المصريين
شباب مصر يصنعون التغيير بالعطاء والعمل التطوعي

تقرير: شهد مدبولي
مقدمة
في وقت تتزايد فيه ضغوط الحياة اليومية وتتراجع فيه قيم التعاون، يبرز العمل التطوعي كأحد أهم مظاهر التكافل الإنساني والمجتمعي في مصر، فبينما يسعى البعض وراء المكاسب المادية، يمنح آخرون وقتهم وجهدهم لخدمة الآخرين دون انتظار مقابل، إيمانًا بأن العطاء هو ما يصنع الفرق الحقيقي في حياة الناس.
شباب يقودون التغيير
في السنوات الأخيرة، شهدت مصر انتشارًا واسعًا لمبادرات العمل التطوعي، خاصة بين فئة الشباب، فمع تزايد الوعي المجتمعي والرغبة في المساهمة الإيجابية، ظهرت مئات الفرق التطوعية التي تعمل في مجالات متعددة، من دعم الأسر الفقيرة وتوفير الغذاء والملابس، إلى مساعدة ذوي الهمم وتنظيم حملات التبرع بالدم وحملات النظافة والتشجير في الشوارع والقرى.
وتشير تقارير صادرة عن وزارة التضامن الاجتماعي إلى أن عدد الجمعيات الأهلية المسجلة تجاوز 55 ألف جمعية على مستوى الجمهورية، يلعب المتطوعون فيها دورًا محوريًا في تنفيذ المشروعات التنموية والخدمية، خصوصًا في القرى الأكثر احتياجًا ضمن مبادرة “حياة كريمة”.
رؤية الدولة ودعم الوزارات
لم يقتصر العمل التطوعي على الجهود الفردية، بل تبنّته الدولة ضمن رؤيتها للتنمية المستدامة، فقد أطلقت وزارة الشباب والرياضة برامج متعددة لتشجيع التطوع، أبرزها مبادرة “يوم في خدمة الوطن”، إلى جانب المبادرات الجامعية التي تشجع الطلاب على المشاركة في أنشطة مجتمعية.
أما على مستوى المبادرات المستقلة، فقد لمع العديد من النماذج الشبابية التي استطاعت أن تُحدث أثرًا حقيقيًا، مثل فرق “خيرك سابق”، و“متطوعين من أجل مصر”، و“فريق بصمة”، التي تعمل في مختلف المحافظات على دعم الفئات الأكثر احتياجًا ونشر ثقافة التطوع في المدارس والجامعات.
تصريحات تؤكد أهمية التطوع
أكدت وزيرة التضامن الاجتماعي أن قوة العمل التطوعي هي المحرك الأساسي للتنمية، مشيرة إلى أن الوزارة تعمل على إعداد استراتيجية وطنية لتنظيم العمل التطوعي بالتعاون مع مختلف الجهات المعنية لتعزيز المشاركة المجتمعية في جميع المحافظات.
كما وجهت الوزيرة التحية لكل المتطوعين في مصر، مؤكدة أن جهودهم تمثل نموذجًا مشرفًا للعطاء والمسؤولية الاجتماعية، وأن الدولة تولي اهتمامًا خاصًا لدعمهم وتدريبهم ضمن مبادراتها التنموية.
ومن جانبه، أكد وزير الشباب والرياضة أن العمل التطوعي يمثل قيمة إنسانية نبيلة ورافدًا مهمًا لتحقيق التنمية الشاملة للمجتمع، مشددًا على أن الوزارة تسعى إلى دمج ثقافة التطوع في الأنشطة الشبابية والطلابية لخلق جيل واعٍ يشارك بفعالية في بناء الوطن.
مبادرات من أرض الواقع
شهدت محافظات مصر خلال الفترة الأخيرة تنظيم العديد من الفعاليات التطوعية، حيث أُقيمت احتفالية بمناسبة اليوم العالمي للتطوع بمشاركة مئات الشباب من مختلف الجمعيات والمؤسسات. كما نظمت بعض الشركات والمؤسسات الخاصة فعاليات لتكريم موظفيها المشاركين في المبادرات المجتمعية، في تأكيد على أهمية دور القطاع الخاص في دعم العمل التطوعي ونشر ثقافة المسؤولية الاجتماعية.
التعليم يرسّخ ثقافة التطوع
في خطوة تهدف إلى غرس قيم التعاون والعطاء في الأجيال الجديدة، أعلنت وزارة التربية والتعليم عن إدراج مفاهيم العمل التطوعي ضمن المناهج الجديدة للعام الدراسي 2025–2026، لتنشئة طلاب مؤمنين بدورهم المجتمعي وساعين للمشاركة في المبادرات التطوعية من الصغر.
التحول الرقمي في العمل التطوعي
شهد مجال التطوع في مصر تطورًا رقميًا ملحوظًا، بعد إطلاق منصة “إنسان” التي أصدرت أول شهادة تطوع رقمية معتمدة، مما يسهّل توثيق الجهود التطوعية ويشجع المتطوعين على الاستمرار والمشاركة بجدية أكبر، في إطار توجه الدولة نحو التحول الرقمي وتقدير الجهد الإنساني المبذول.
العمل التطوعي جزء من هوية المجتمع المصري
أكدت جهات عدة أن العمل التطوعي أصبح جزءًا لا يتجزأ من هوية المجتمع المصري، وركيزة أساسية في تعزيز قيم التضامن والمسؤولية، وأشار أحد التقارير الحديثة إلى أن مصر احتلت المركز الثاني عالميًا في نسب التبرع الخيري مقارنة بالدخل الفردي، وهو ما يعكس عمق ثقافة العطاء المتجذّرة لدى المصريين.
العطاء أسلوب حياة
يؤكد الخبراء أن العمل التطوعي لا يقتصر على تقديم المساعدة المادية فحسب، بل يشكّل ركيزة لبناء الشخصية وتنمية روح المسؤولية والانتماء لدى الشباب، كما أنه يفتح الباب أمام فرص جديدة للتواصل الاجتماعي واكتساب المهارات، ويعزز من ثقة المتطوع بنفسه وبقدرته على إحداث التغيير.
خاتمة
العمل التطوعي ليس مجرد نشاط جانبي أو وقت فراغ يُستغل في الخير، بل هو أسلوب حياة يزرع الأمل ويعزز قيم الرحمة والانتماء، فبين أيدي هؤلاء الشباب الذين اختاروا العطاء طريقًا، تُكتب فصول جديدة من قصة الوطن، قصة تصنعها إرادة صادقة تؤمن بأن “الخير لا يفنى، بل يتضاعف كلما قُدم دون انتظار المقابل”.