من الرواية إلى الشاشة.. رحلة الأدب في عيون السينما
من «زينب» إلى «الفيل الأزرق».. محطات مضيئة في مشوار الإبداع بين الكلمة والصورة

تقرير – رحمة عماد
مقدمة
أصبح تحويل الأعمال الأدبية إلى أفلام سينمائية أمرًا طبيعيًا يلجأ إليه كثير من المخرجين، خاصةً عندما يحقق العمل الروائي نجاحًا واسعًا. وتجدر الإشارة إلى أن تحويل الروايات إلى أفلام ليس ظاهرة حديثة، بل تعود جذورها إلى القرن السابع عشر، أي قبل ظهور السينما بزمن طويل، لتستمر هذه التجربة العالمية منذ عهد الأفلام الصامتة وحتى يومنا هذا.
البداية الأولى بين الأدب والسينما
تعود أول محاولة لاقتباس عمل أدبي إلى عام 1896، حين جرى تحويل مشهد من رواية فرنسية إلى مشهد صامت، لتبدأ بذلك العلاقة الأولى بين الأدب والفن السابع.
“زينب”.. أول رواية مصرية على الشاشة الفضية

وتُعد رواية زينب للكاتب الراحل محمد حسين هيكل، التي صُدرت عام 1914، أول رواية مصرية يتم تحويلها إلى فيلم سينمائي، كما تُعتبر أول عمل أدبي يرى النور على الشاشة الفضية.
وقد تحولت الرواية إلى فيلم عام 1930، على يد المخرج محمد كريم، فيما كتب السيناريو وأنتج العمل رمسيس نجيب، وشارك في بطولته كل من: بهيجة حافظ، سراج منير، زكي رست، ودولت أبيض.
من محفوظ إلى طه حسين.. كلاسيكيات خالدة

حققت العديد من أعمال الأدباء المصريين البارزين شهرة واسعة بعد تحويلها إلى أفلام سينمائية، ومن أبرزها ثلاثية نجيب محفوظ بين القصرين، قصر الشوق، والسكرية، التي أخرجها المبدع حسن الإمام، وقدم بطولتها الفنان الراحل يحيى شاهين.
كما حققت رواية دعاء الكروان لعميد الأدب العربي طه حسين نجاحًا كبيرًا عند عرضها في السينما، إذ تناول الفيلم رواية عميقة التفاصيل تركت أثرًا في وجدان المشاهدين، وقامت ببطولته فاتن حمامة، وأحمد مظهر، وأخرجه هنري بركات.

أما رواية الوسادة الخالية فقد تحولت أيضًا إلى فيلم يحمل الاسم نفسه، يناقش قضية الحب الأول الذي نادرًا ما يستمر، إذ يفتقر إلى النضج والعقلانية رغم بقاء أثره في الذاكرة. وقد أضفى صوت العندليب عبد الحليم حافظ على الفيلم نكهة طربية مميزة، وشاركته البطولة الفنانة لبنى عبد العزيز، وأخرجه صلاح أبو سيف.

روايات حديثة تواكب العصر

من أبرز الروايات الحديثة التي قُدمت سينمائيًا رواية الفيل الأزرق، للكاتب أحمد مراد، التي صدرت عام 2012، وتم تحويلها إلى فيلم سينمائيًا عام 2014، وقدم بطولته الفنان كريم عبد العزيز، خالد الصاوي، ونيللي كريم، ونتيجة تحقيقه نجاحًا لافتًا، ما دفع إلى إصدار الجزء الثاني من الفيلم عام 2019.
كذلك، نالت رواية هيبتا للكاتب محمد صادق، الصادرة عام 2014، نجاحًا واسعًا عند تحويلها إلى فيلم سينمائي عام 2016، من إخراج هادي الباجوري، وبطولة ماجد الكدواني، وعمرو يوسف، وياسمين رئيس، ودينا الشربيني، وأحمد داوود، وأحمد مالك، وجميلة عوض.

كما صدر هذا العام جزء ثانٍ للفيلم بعنوان “هيبتا.. المناظرة الأخيرة” ، تناول شخصيات جديدة وأحداثًا مختلفة، بمشاركة منة شلبي، وكريم فهمي، ومحمد ممدوح، وسلمى أبو ضيف، وحسن مالك، وآخرين.
أدب عالمي على الشاشة
حوّل المخرج السينمائي جون كرولي رواية أدبية إلى فيلم طويل عام 2014، وقدّم كل من الممثلة الإيرلندية ساويرس رونان، والنجم الأمريكي إيموري كوهن، ودومنال جليسون أداءً حيويًا منح الشخصيات عمقًا وتميزًا.
كما تُعد رواية المريخي أول أعمال الكاتب الأمريكي آندي وير، التي نُشرت عام 2011، وتحولت إلى فيلم عام 2015 من إخراج ريدلي سكوت، وبطولة مات ديمون، وجيسيكا تشاستين، وكريستين ويج.

من النص إلى الشاشة الكبيرة.. رؤية النقاد

خلال حوار تفاعلي حمل عنوان “من النص إلى الشاشة الكبيرة”، أُقيم ضمن فعاليات الدورة الـ43 من معرض الشارقة الدولي للكتاب بمركز إكسبو الشارقة، شارك عدد من الكتّاب والمخرجين، منهم ستيف تشا، وجون ج. نانس، وإيزابيلا مالدونادو، ويحيى صفوت، وأدار اللقاء الكاتبة كيه. جي. هوي.
الفرق بين الرواية والسيناريو

أوضحت الكاتبة ستيف شا أن هناك أدوات متوفرة في صناعة السينما تعزز النسخة المرئية على عكس النص المكتوب الذي يحمل كثافة عاطفية.
وأشارت إلى أن مهمة كاتب السيناريو هي ترجمة النص الأدبي إلى وسيط بصري، وتحويل رواية من 400 صفحة إلى نص لا يتجاوز 100 صفحة، مؤكدة أن هناك فرقًا كبيرًا بين كتابة الرواية بهدف النشر الأدبي وكتابتها بغرض تحويلها إلى فيلم.
التعاون بين الكاتب وصناع السينما

أكد الكاتب جون ج. نانس أهمية التعاون بين الكاتب والمخرج والمنتج لتحقيق تجربة فنية ناجحة، مع ضرورة الاستفادة من الاستشارة الفنية دون التدخل المفرط في تفاصيل العمل، حتى لا تتأثر العلاقات المهنية. وشدد على أهمية تحديد “جوهرة العمل” أو فكرته الأساسية التي تبقى راسخة في ذاكرة الجمهور.
الحقوق الفكرية والتحديات الإنتاجية

ذكرت الكاتبة إيزابيلا مالدونادو أن قضايا حقوق الملكية الفكرية تمثل محورًا أساسيًا عند تحويل الروايات إلى أعمال سينمائية، مشيرة إلى أن بعض الكتّاب يقدمون تنازلات معينة مقابل مزايا محددة، ما يتطلب مهارة تفاوض عالية من الوكيل الأدبي لضمان الحقوق.

فيما أشار يحيى صفوت إلى أن التحدي الأكبر يكمن في تحويل الرواية إلى سيناريو دون الإخلال بروحها الأصلية، موضحًا أن السيناريو يشبه عملية هندسية يُعاد فيها تركيب عناصر القصة كما تُستخدم قطع الليغو لبناء أشكال مختلفة، مع الحفاظ على الهيكل والجوهر الفني.
خاتمة
يظل تداخل الأدب والسينما واحدًا من أكثر أشكال الإبداع تأثيرًا، فكلٌّ منهما يُكمل الآخر في نقل الفكرة وإحياء الخيال، لتبقى الرواية منبعًا لا يَفنى للإلهام، والشاشة الفضية نافذة تُعيد سرد الحكايات بروح جديدة.
المصادر:
•https://www.dubaimagazine.net/wp/?p=20091
•https://www.youm7.com/story/2021/11/13/%D