
تقرير: شهد مدبولي
مقدمة
تتقلص المساحات الخضراء في المدن المصرية ببطء وبصمت، كما لو أن الخرسانة تبتلع التنفّس بعيدًا عن أنظارنا، بحيث ما كان يومًا متنفسًا للناس أصبح اليوم أرضًا فارغة أو مشروعًا جديدًا، ووسط هذا التراجع ينطلق السؤال: كيف سيبدو مستقبل مدننا إذا ما وُفّرت لنا نسمات الظل وأوكسجين الأرض؟
الخسارة الميدانية: حديقةتختفي وظلال تُقتلع
في حي مصر الجديدة، تحوّلت حديقة “الميريلاند” التراثية التي كانت تمتد على نحو خمسين فدانًا إلى جراج سيارات ومشروع شبه مهجور، أجزاء كبيرة من المساحات الخضراء اختفت لصالح البنى الخرسانية، حيث السيارات باتت تتجول داخل الحديقة وتتخذ منها موقفًا، فيما قلّ الزائرون إلى أقل من عشرة أشخاص في الأوقات العادية، هذا التحوّل لا يشير فقط إلى فقدان الظل، بل إلى استبدال الحديقة بذراعٍ تجاريّة لا تعرف إلا الخرسانة.
https://www.almasryalyoum.com/news/details/1016824قراءة المزيد
الأرقام تكشف الواقع: نصيب المواطن وأعداد القطوع
ذُكر في تحقيق بعنوان «إعدام شجرة!!» أن نصيب المواطن من المساحات الخضراء في مصر يقدّر بواحد فاصلة اثنين متر مربع فقط، في حين لا يقل المعدّل العالمي عن خمسة عشر مترًا مربعًا للفرد، وفي تصريح لوزارة البيئة.
أن عمليات إزالة الأشجار تتم أحيانًا لضرورة تنفيذ مشروعات المنفعة العامة، مع وعد إعادة زراعة الأشجار المقتولة أو نقلها إلى أماكن أخرى، كما أن أكثر من ستمائة وستين ألف متر مربع من المساحات الخضراء تعرضت للاقتطاع في السنوات الأخيرة في عدة محافظات، بما في ذلك الإسكندرية ومصر الجديدة والمنصورة.
https://www.almasryalyoum.com/news/details/1016824قراءة المزيد
الأثر على المواطنين: حرارة وضيق وتغيّر الروتين اليومي
حين تختفي الأشجار، ترتفع حرارة الشوارع إلى مستويات لا تُطاق، ويختفي الركن الذي كان يلجأ إليه الكبار والصغار، بعض الأسر التي اعتادت الجلوس مساءً في الحديقة أمام منازلهم أجبرت على تغيير نمط حياتهم، إذ إن الهواء لم يعد أنقى، ويتحول الفضاء العام إلى بيئة صعبة للجلوس نتيجة ارتفاع الحرارة الشديدة وغياب الظل.
ظلال المدينة المفقودة
عندما تتلاشى الأوراق، يختفي معها صرير الأطفال في الممرات الضيقة، ويتفتّش الجار في بيت الجنب عن ظل قصير يلوح بين الزجاج، هذا الصوت الداخلي لا يروي عددًا ولا إحصاءً، لكنه شاهد على فقدان جزء من الذاكرة البيئية التي كنا نعيشها.
الأصوات الرسمية والمبادرات في الميدان
في تصريحات لهيئات النظافة والتجميل بمحافظة الجيزة، برّرت إزالة الأشجار بأنها تشكّل خطرًا أو تعيق توسعة الطرق، كما ذكرت تلك الهيئات أنها قامت بإزالة بعض الأشجار الكثيفة لأسباب أمنية أو سلامة.
وفي مبادرة تنموية، تفقد رئيس حي غرب القاهرة أعمال التجديد في “حديقة النهر” في الزمالك، التي شملت إعادة التشجير والتوسعة الخضراء إلى جانب أعمال البنية التحتية، أيضًا، تم النشر أن الحكومة تعتزم إنشاء “حزام أخضر” حول القاهرة بطول مئة كيلومتر، كمبادرة للحد من التأثير البيئي الحضري، وهي مبادرة تم الإعلان عنها في وسائل الإعلام المحلية كمشروع مستقبلي يوازي قطاعات التطوير العقاري والمواصلات.
https://www.almasryalyoum.com/news/details/1016824قراءة المزيد
التحدي والحلول الممكنة
توسيع صلاحيات وزارة البيئة ومنحها الضبطية القضائية لمنع الاقتلاع المسبق قبل الحصول على الموافقة البيئية يعد خطوة أساسية للحفاظ على المساحات الخضراء، يجب إلزام الجهات المنفّذة لمشروعات الطرق والبناء بتقديم دراسات تقييم الأثر البيئي قبل تنفيذ أي إزالة للأشجار أو المساحات الخضراء، العمل على مشروع الحدائق الجيبية في الأحياء المأهولة حيث المساحات قليلة يوفر بقعًا خضراء صغيرة متوزعة.
كما أن إشراك السكان المحليين في صيانة المساحات الخضراء وتعزيز الوعي بالمحافظة عليها يعزز الفاعلية، وأخيرًا، متابعة تنفيذ مبادرات مثل الحزام الأخضر حول القاهرة وضمان التزامها بالمعايير البيئية والشفافية في التنفيذ يضمن الحفاظ على ما تبقى من المدينة الخضراء.
خاتمة
المساحات الخضراء ليست ترفًا إنما ضرورة حضرية، إذا ما أغفلنا في تجاهلها، سنلد مدينة بلا روح، بلا ظل، بدون هواءٍ نقيّ؛ الوقت الآن لتوحيد الجهود، من المواطنين إلى صانعي القرار، لاستعادة بضعة مئات من الأمتار المفقودة، حتى لا نخسر أكثر مما نستطيع أن نستعيد.