مقالات

(في الفكر الإسلامي المعاصر) – تيارات واراء –

المفكر العربي  طارق فايز العجاوي
بداية علينا ان نؤمن قبل كل شيء بان الحوار افضل واجل الوسائل وايسر الطرق التي توصلنا الى الحقيقة – ففيه نوال زبدة الراي – وهذا الحق وهو الأولى بالاتباع والراي عندي الذى يجب ان نعمله ونحن بصدد بحث مثل هذه المواضيع الحساسة ان ليس هناك ما يدعو الى وجود مواجهة او صدام بين مختلف التيارات في الفكر الإسلامي لطالما يجمعها حقيقة الإسلام على اعتبار انه النبع الذى يغذى الروافد وهذه حقيقة يدركها كل عاقل أراد الحق وانعم النظر
واقع الحال يقول ان الإسلام بوصفه عقيدة ونظاما للحياة الإنسانية معا قد برز في ساحة تغص بالمذاهب والعقائد والنظريات والمبادئ التي تتصارع في هذا العصر او بالأحرى استدرج الى هذه الساحة وفى هذا الادعاء عين الحقيقة والصواب فقد اضحى من اليسير في مجال نظام الإسلام كمنهج للحياة ان تناقش اصوله وقواعده وثابته وان تقاس أحيانا على ما هو سائد ونراه من نظم معاصرة – حقيقة في هذا كل التجني – حتى وصل البعض في هذا المنحى الى البحث عن الانتماء المذهبي له وفى هذا أيضا سنام التجني بل المحايدة للصواب فقد اصبح فهمنا للإسلام في كثير من الأحيان مستمدا مما نراه وندركه حولنا من تيارات فكرية في مجالات عديدة منها السياسية والاجتماعية والاقتصادية بمضامين أصبحت مكشوفة لدى العامة والذى يزيد الامر تعقيدا ومجافاة للصواب هو ان هذه المذاهب والمعتقدات والنظريات والمبادئ كانت عند نشاءتها ذات صياغة محددة ثم طالها التطوير والتحويل وربما التحريف لدرجة ان الالفاظ التي نعبر بها عنها تبدو في أحيان كثيرة كما لو كانت قد فقدت خاصيتها في التعبير عن مدلولاتها
فاذا ذكرنا الاشتراكية والرأسمالية وتياراتها المختلفة المنبثقة عنها وما يثور بشان تحديد مدلولاتها عند طرحها او اثارتها للنقاش لادركنا ان عرش الكلمة قد سقط وباعتقادي ان مسلما صحيحا لا يتصور ان يدخل الإسلام الى ساحة الصراع او المواجهة مع العقائد او المذاهب الوضعية التي تتعارض بالجزم مع أصول عقيدته وشريعته ولا ان يتوه مدلول الإسلام امام اصله وسط تيارات متناحرة متنافرة كلا منها يأخذ من الإسلام واقعا يطال جانب بعينه – وفى هذا سنام التشويه – او حتى فقط الاسم بنصيب اذن هو مسلك واضح المعالم لا بد من التمعن به وانصافه
ليس ولإثبات ما ندعى علينا التعريج على بعض التيارات الإسلامية – أقول بعضها فقط – للتدليل على صدق دعوانا بصحة بعضها وتجاوز المنبوذ منها ونذكر من هذه التيارات
*** التيار السلفي الذى يصفه البعض بالجمود أقول ان رفض أي تيار بأكمله او مذهب برمته دون البحث وبتمعن بالإيجابيات او السلبيات فيه سنام التجني والاجحاف على هذا التيار او ذاك ولا يعد حقيقة تقييما له على اعتبار ان فى ذلك محايدة للصواب فالتيار السلفي الذى يرفضه البعض ليس شرا كله فى الواقع ليس هناك من شك ان التيار السلفي اقرب الى الحقيقة فى مجال العقيدة وفى مجال الاخلاق وأيضا في مجال التشريع واذا كانت بعض الفروع الفقهية قد تبدو فى مجال المعاملات بالذات و قاصرة فعند السلف في فروعهم التي تخالفها أو أصولهم التي يتفقون عليها ما يغني و أرى حقيقتا عدم الخوض في التفاصيل تيسيرا على القارئ و اختصارا لتصل فكرتنا بأيسر السبل و أسهلها إلى المتلقي -و نرجو الله جلت قدرته أن نحقق ذلك- وباعتقادي حسب التيار السلفي أنه يتجه إلى الاعتدال كلما جنح المجددون إلى الشطط و هذا حقيقتا ليس من باب الدفاع عن هذا التيار ولكن هذا هو واقع الحال و إنما هو إبراز لدوره حين يحتاج الأمر في أي مذهب من مذاهب الإصلاح و التغيير إلى المعايير و الضوابط و بناءا على هذا لا أرى حاجتا إلى الدعوة للاجتهاد في الأصول وهذا مبناه أن أصول العقيدة و أصول الشريعة أيضا لا بد و أن تكون مستندة إلى كتاب الله وسنة نبيه الصحيحة عليه الصلاة و السلام
و الجميع يعلم أن الأصول في شرعنا الحنيف و إن قصدنا بها أصول النقد الإسلامي فهو ذلك العلم الذي يحصر مصادر التشريع وطرق استنباط الأحكام منها و من هذه المصادر المصلحة العامة و ليس بعدها شيء يحتاج إليه الناس و إذا قصدنا الأصول العامة لشرع فهي القواعد التي يمليها العقل والتي صاغها الفقهاء و ليس فيها دون أدنى شك ما يخل بمصلحة الفرد و الجماعة فالضرر مرفوع و الضرورات تبيح المحظورات و الضرر الخاص يتحمل لإزالة الضرر العام وهذه الأصول باعتقادي لا يخلو منها أي شرع ديني أو وضعي كونها تمس النفس البشرية إذا قولي لهؤلاء الذين يهاجمون السلفية اعطونا أصلا واحدا من أصول الشريعة يحتاج منا إلى نظر و مراجعة إن كان أصلا ثابتا حقا هذه حجتنا فأين حجتكم ؟
و من التيارات أيضا ذلك التيار الذي يدعو إلى تطبيق الشريعة فقد لقي هذا التيار ردودا بل أقول مواجهة من دعاة استبعاد تطبيق هذا التيار قولي ليس هناك ما يؤاخذون عليه كون تيار الضد يدعي بأن تطبيق الشرع يحتاج منا أولا إلى إصلاح المجتمع و هذا مردود عليهم كون في هذا اختيار للأسهل و تخوف من التغيير و تأجيل للقضية برمتها على اعتبار أن كل مجتمع يريد أن يتطور لا بد له من إطار يحكم هذا التطور وإذا نحن وصلنا إلى إصلاح المجتمع دون أن نطبق حكم الشرع فعلا فما أغنانا عنه بعد الإصلاح فمجتمعنا الإسلامي هو الذي يطبق شرع الإسلام وليس هو المجتمع الذي يدعو للإعداد لتطبيق الشرع فحسب دعوة مجردة من التشريع أو التقنين و ليس لزمانها حد و لا لإثباتها بينة و برهان و لو أننا باشرنا بتطبيق الشرع في جانب من الجوانب ثم يتلوه اخر لكان ذلك خيرا من التمسك من الانتظار حتى يتهيأ لتطبيق الشريعة كلها بين يوم وليلة وكما قيل فمشوار الألف ميل يبدأ بخطوة و فعلا إذا كان في المسلمين طائفة تعيش محزونة مهمومة لا تعرف للابتسام سبيلا فذلك مرده ليس الإسلام حتى لو فهمه أولئك خطأ و أنا أرى أن السبب هو ما يلاقيه هؤلاء المحزونون الذين لا يبتسمون من تعب الحياة حولهم و ما يلاقونه من فقر أو ذلة أو هوان على أيدي حكامهم أو على أيدي الناس فلا يجدون للابتسام سبيلا و أولى بنا أن لا نكتفي بتسليط رجال الأمن عليهم قبل أن نبحث ضيق حياتهم أو انغلاق عقولهم
واقع الحال ان هناك الكثير من التيارات التى طرحت والموجودة على ارض الواقع ولقيت مواجهة وصدود وردود لا يتسع المجال للخوض فى فحواها واثبات مدى احقيتها وتفنيد اراء اولئك الذين هاجموها من دون ادنى وعى او كونهم يؤمنون بالوضعي من الشرائع والنظم على كل الأحوال أقول لهم اهداف ومارب لا تخفى على احد
على كل الأحوال ان الإسلام ليس هو الفكر الإسلامي والذى تتنازعه التيارات التي تختلف في مضامينها وأهدافها ووسائلها وحتى مفاهيمها على اعتبار ان الفكر الإسلامي قد يكون هو التأثير الغالب للإسلام حين يتفاعل مع ثقافات أخرى وحين يتعامل مع الناس والمكان والزمان والحياة بشكل عام ويبقى مع ذلك بأصوله في العقيدة والشريعة ولذلك فليس من الحكمة ان نحجر على فكر معين او ندين جملة تيارا بعينه ما دام هذا الفكر لا يخرج عن أصول العقيدة والشريعة وبذلك لا نكون بحاجة الى المواجهة بقدر ما نكون في الغالب بحاجة الى الحوار
ولله الامر من قبل ومن بعد
الكلمات الدلالية (Tags): المفكر العربي_طارق_فايز_العجاوي .
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى