
تقرير: إيمان أشرف
مقدّمة
في احتفالية تاريخية على أرض مصر وفي أعماق حضارتها، افتُتح المتحف المصري الكبير مساء السبت، حيث لم تُعرض فيه القطع الأثرية فحسب، بل أُعيدت فيه أيضاً إلى الحياة رموزٌ فرعونيةٌ بديعةٌ حملت في طياتها قصصاً من الخلود والعزة والهوية. بين هذه الرموز، يبرز عنخ (مفتاح الحياة)، وإيزيس وأوزوريس، الذين شكّلوا محوراً فنياً وتقليدياً في أجواء الافتتاح.
1. رمز «عنخ» – مفتاح الحياة
رمز الحياة الأبدية، وتحقيق السيادة على الحياة والموت، كان يحملُه الفراعنة والآلهة، ويُطابق عند قدامى المصريين فكرة التواصل بين العالمين: عالم الأحياء وعالم الآخرة. يذكر أن الرمز ظهر في فقرات الحفل خلال الاحتفال بافتتاح المتحف.
دلالته اليوم: بمجهوده الرمزي، يُذكّرنا بأن الحضارة المصرية لم تَعش لتخليد الحاضر فقط، بل لبناء جسر نحو المستقبل.

2. قصة إيزيس وأوزوريس – الخيانة والبعث والنصر
أحد أعمق الأساطير المصرية القديمة، حيث ينخرط الإلهان إيزيس وأوزوريس في قصة تتضمّن الطموح، الخيانة، الموت، الحياة، والانتقام. هذه القصة كانت ضمن فقرات الحفل، إذ تم ذكرها باختصار: «عندما خطط شقيق ست لقتل أوزوريس، ثم قطّعه، ونشر أجزاءه في مصر، فأعادت إيزيس تجميعه وأحياه مؤقتاً، ثم أنجب حورس الذي استعاد العرش».
دلالتها اليوم: هذه الأسطورة تشكّل استعارةً للقوة التي تعود من الضعف، وللحق الذي ينبعث رغم الظلم، وللحضارة التي تنهض من رمادها. وتمّ تضمينها لتمثّل رسالة المتحف: أن التراث يعاد إحياؤه، وأن مصر هي مهدٌ لاختراع الحضارة وتجديدها.
3. رموز إكسسوارات وزينة – التراث ينبض بالحداثة
من أبرزها: عنخ، عين حورس، أجنة إيزيس، وغيرها. هذه الرموز كان لها حضور في زينة الحفل، على البدلات وعلى الديكورات، وعلى جانبي الطريق المؤدي للمتحف.
دلالتها اليوم: حين تدخل رموزٌ فرعونيةٌ إلى تفاصيل الحياة اليومية – من الإكسسوارات إلى التصميم العمراني – فإنها تعكس قدرة الحضارة على التجدّد، وعلى أن تظل مصدراً إلهامياً في العصر الحديث.

الرموز ومعانيها
1. عين حورس
رمز الحماية والبصيرة والتجديد، يقال إن الملك حورس فقد عينه في معركة ثم استعادها، فظهرت العين كرمز للشفاء والقوة. في القطع الزخرفية اليوم، تُرتدى كتفسير للحماية والصمود.
2. أجنة إيزيس
الرمز مستوحى من الإلهة إيزيس الأم التي تُحمي أطفالها وأبنائها من الأخطار، وتُجسد القوة الأمومية والولادة. في الإكسسوارات أصبح تعبيراً عن: الحماية، العطاء، والأصالة الأنثوية.
3. رأس الملكة نفرتيتي
رمز للجمال، الرقة، والقوة. الملكة نفرتيتي كانت رمزاً جمالياً في مصر القديمة، ومعها يأتي التصميم الذي يحمل رأسها أو ملامحها في المجوهرات. القطعة تعكس أن الجمال ليس فقط مظهراً بل رسالة قوة وثقة.
4. الخنفساء (الجعران)
في تصور الفراعنة، كانت الخنفساء ترمز إلى الشمس، الرحلة، البعث والتجدد؛ حيث تتدحرج الكرة نحو الشرق، وتمثل دورة الحياة. في القطع العصرية، تُعبّر عن البدايات الجديدة، التحوّل، والطاقة الدائمة.
5. الأفعى
الأفعى في تصميم الإكسسوارات الفرعونية تعكس سيادة الملوك والآلهة، والحماية وتوحيد الأرض. ارتداها الملوك كتاج أو رمز على الرأس. اليوم تُستخدم كرمز للحماية، القوة السلطوية، والتميّز في التصميم.

خاتمة
في ليلة مليئة بالأضواء والرموز، لم يكن افتتاح المتحف المصري الكبير حدثاً ثقافياً فحسب، بل احتفالاً بهويةٍ تمتد عبر آلاف السنين. رموز مثل عنخ، إيزيس، وأوزوريس لم تتوقف عند حدود الماضي، بل انطلقت من قلبه لتجدّد نفسها في الحاضر. وزخرفتها في الحفل، كديكور ومثال حي على الوحدة بين الماضي والمستقبل، بين الجمال والتراث، بين الإنسان والعلامة.
ما يبقى اليوم ليس فقط متحفاً يحفظ القطع الأثرية، بل مشهداً حياً يخرّب كل تفكيك للتاريخ ويجعلنا نعيش بأنظارنا ملامح حضارة خلّدت نفسها عبر الرموز والقصص وبينما تتهافت الأجيال الجديدة على التقاط صورها أمام هذه الرموز، يبقى السؤال: هل نستطيع أن نُحيل هذا الاحتفال إلى ممارسة يومية؟ أن نحمل معنا مفتاح الحياة – عنخ – ليس فقط كتميمة، بل كمهما نحو إحياء تراثٍ يتنفس فينا؟




