رياضة

الرياضات الإلكترونية ثورة جديدة في عالم الترفيه.. خمسون عامًا من التطور

الرياضات الإلكترونية في قلب المشهد: كأس العالم 2025 بالرياض

تقرير – رحمة عماد

يشهد العالم اليوم حقبة جديدة من التقدم التكنولوجي، ومع تصاعد ذلك التطور أصبحت الرياضات الإلكترونية “E-sport”، بديل للرياضات الحقيقية التقليدية، ولم تعد تلك الألعاب مجرد وسيلة للترفيه والتسلية بل أصبحت مجالًا للاحتراف والمنافسة، والمشاركة في أبرز البطولات دولية،كما بدأت الرياضات الإلكترونية تنتشر بشكل واسع في العالم والوطن العربي.

ما مفهوم الرياضات الإلكترونية.. وكيف نشأت وتطورت؟

الرياضات الإلكترونية أو كما تعرف ب”Esport”، هي عبارة عن مسابقات ألعاب إلكترونية تُمارس عبر المنصات الإلكترونية والألعاب الرقمية، بدأ ظهورها منذ مطلع الألفية، ومع مطلع القرن الحادي والعشرين اكتسبت الألعاب التنافسية شهرة واسعة، ورغم أن جائحة كوفيد -19 أثرت بشكل سلبي على واقع الرياضات الإلكترونية إلا أن الأعوام التي تابعت الجائحة كانت لصالحها باستقطاب عدد أكبر نحوها، واستطاعت أن تجذب عشرات الملايين من المشاهدين المباشرين، وغالبًا ما تكون الجوائز مالية، وتُعرض هذه الرياضات عبر الإنترنت وعلى منصات مثل Twitch وYoutube.

وأُنشأت أول مسابقة موثقة في تاريخ الرياضات الإلكترونية عام 1972، في مختبر الذكاء الاصطناعي بجماعة ستانفورد، تحت عنوان “أولمبياد معركة الفضاء بين المجرات”، وتنافس المتسابقون بها باشتراك سنوي في مجلة Rolling Stone، ولكنها ظهرت رسميًا في عام 1980، عندما أقامت شركة “Atari” بطولة في لعبة “Space Invaders”، وحضرها أكثر من 10.000 مُتنافس.

وفي مايو 1977، استطاع اللاعب “دينيس فونغ” الفوز بنتيجة 14-1 في بطولة “Red Annihilation” في لعبة Quake، ليحصل على جائزة قدرها 5000 دولار وسيارة فراري مخصصة، مما ساعد هذا الحدث على تحويل الرياضات الإلكترونية إلى شكلها العصري من خلال تأسيس رابطة الرياضيين الإلكترونيين المحترفين “CPL”، والتي ساهمت في توطيد مفهوم الدوريات الاحترافية، وكانت هذه بداية ظهور المواجهات المباشرة بين اللاعبين بدلًا من تركيزها على تحقيق أعلى النقاط فقط.

وتوالت البطولات بعد ذلك، حيث أسس رجل الأعمال “والتر داي” منظمة Twin Galaxies المتخصصة في توسيق الأرقام القياسية في ألعاب الآركيد المختلفة، لتصبح خطوة إضافية نحو الاحتراف والتنظيم في مجال الرياضات الإلكترونية.

كما أسست وزارة الثقافة والرياضة والسياحة الكورية رابطة كوريا للرياضات الإلكترونية “KeSPA”، وذلك في عام 2000، نتيجة الشهرة الواسعة التي اكتسبتها هذه الألعاب بكوريا الجنوبية، حيث جذبت اللاعبين الباحثين عن إنترنت سريع، كما بدأ البعض في متابعة المنافسات الحية، كما قامت المقاهي برعاية لاعبين وأندية.

الرياضات الإلكترونية مقابل الرياضات التقليدية

وفي إطار الجدل القائم حول ما إذا كان الرياضات الإلكترونية رياضة حقيقية أم لا، يتمثل الفرق بينها وبين الرياضات التقليدية في حاجتها إلى خفة الحركة الذهنية والتنسيق بين اليد والعين، ويعد سهولة الوصول إليها جغرافيًا وماليًا للاعبين والمشاركين اختلاف جوهري أخر، بينما تحتاج الرياضات التقليدية إلى براعة وقوة بدنية.

ويتشارك كلاهما في عدة جوانب أخرى ومنها: الروح التنافسية، والحاجة إلى المهارة والاستراتيجية، التدريب المكثف وحاجتهما إلى التدريب اليومي الذي يمتد لساعات، وإثارة النصر. كما أن بعض الآراء تتجه إلى أن افتقار الرياضات الإلكترونية للمجهود البدني يستبعدها من كونها رياضة حقيقية، ويعارض هذا الرأي البعض من خلال التأكيد على التعقيد الاستراتيجي والمهارة والتدريب الذي تقوم عليه الرياضات الإلكترونية.

التأثير الاقتصادي للرياضات الإلكترونية

وأشارت بعض الإحصائيات وفقًا لتقارير حديثة، أن من المتوقع أن عائدات التسويق والرعاية للرياضات الإلكترونية تتجاوز 1.05 مليار دولار في 2025، وإجمالي الإيرادات قد تصل إلى 2 مليار دولار، كما أن الإنفاق من قِبل العلامات التجارية غير المتخصصة في الألعاب يمثل أكثر من 60% من إجمالي الإنفاق التسويقي، ويتضمن شركات مثل، Mastercard, Coca-Cola، RedBull,BMW.

لماذا تستثمر العلامات التجارية في الرياضات الإلكترونية؟

ما يميز الرياضان الإلكترونية أن جمهورها شاب ومتنوع، ومن السهل التفاعل معه والوصول إليه عبر المنصات الرقمية، وطول وقت التفاعل وقضاء وقت أطول في الألعاب عن استهلاكهم للمحتوى التقليدي، وبالمقارنة بالإعلانات التلفزيونية فتكلفتها أقل، وعائد الاستثمار في أغلب الأحيان يكون أعلى، بالإضافة إلى تقبل الجمهور للإعلانات من خلال إدماجها بسلاسة في محتوى اللعب، وبالتالي تُعد تجربة غير مزعجة لجمهورها.

ومن المتوقع، أن ينمو سوق الرياضات الإلكترونية بمعدل 17.5% سنويًا، ليصل إلى 5.18 مليار دولار بحلول 2029، والتوسع الأكبر سيحدث في الأسواق الناشئة مثل: جنوب شرق آسيا، أمريكا اللاتينية، والشرق الأوسط والعالم العربي، وذلك باستخدام بعض استراتيجيات التسويق الحديثة مثل، التركيز على المحتوى التفاعلي بدلًا من الإعلانات التقليدية، استخدام البيانات والسلوك الرقمي لتحليل الجمهور واستهدافه، ويُعد الذكاء الاصطناعي أداة مثالية لتخصيص الرسائل الإعلانية وتحسين تجربة المُشاهد.

من الجمهور المُستهدف؟

وتتراوح الفئة العمرية المُستهدفة بين 16 و34 عامًا، وهي بالفعل الفئة الأكثر تفاعلًا، ومن المتوقع أن يبلغ عدد المشاهدين العالميين للرياضات الإلكترونية 655 مليون شخص في 2025، مقارنة ب532 مليون في 2023، وتُعد الصين سوقًا رئيسيًا للعلامات التجارية، حيث يمثل الجمهور الصيني ثلث مشاهدات الرياضات الإلكترونية على مستوى العالم.

أين يقع العالم العربي من الرياضات الإلكترونية؟

اكتسبت الرياضات الإلكترونية في العالم العربي شهرة واسعة بين الشباب، حيث ساعدت رؤية بعض رواد الأعمال والمستثمرين في الدول العربية في استخدامها كمصدر للدخل وارفد اقتصادي مهم، في الإهتمام بها وتقديم خدمات متكاملة ومبتكرة، تساهم في تطوير بيئة الرياضات الإلكترونية وتعزيز انتشارها.

وتأتي السعودية ومصر والإمارات في مقدمة الدول العربية من حيث الاهتمام بالرياضات الإلكترونية، وفي السعودية، تم إطلاق العديد من البطولات المحلية والدولية، وأصبحت الرياضات الإلكترونية جزءًا من رؤية 2030، والتي تهدف إلى تنويع الاقتصاد وتعزيز القطاعات الترفيهية.

ومن أهم البطولات والفعاليات الخاصة بالرياضات الإلكترونية في المنقطة: بطولة الشرق الأوسط للألعاب الإلكترونية، كأس الخليج للألعاب الإلكترونية، كأس الخليج للألعاب الافتراضية، الملتقيات التقنية المتخصصة في الرياضات الإلكترونية، دوري الجامعات العربية للألعاب الرقمية.

كأس العالم للرياضات الإلكترونية عام 2025 بالرياض

بعد النجاح الباهر لنسخة بطولة كأس العالم للرياضات الإلكترونية لعام 2024، أُنشئت النسخة الثانية منه هذا العام 2025، لتجمع نخبة المنافسين في مختلف ألعاب الفيديو، وتُنظم البطولة مِن قبل مؤسسة كأس العالم للرياضات الإلكترونية بالتعاون مع مجموعة “ESL FACEIT” العالمية، وتستضيف البطولة المملكة العربية السعودية في مدينة الرياض، وتمتد فعاليات البطولة على مدار سبعة أسابيع خلال شهري يوليو وأغسطس.

وتضم البطولة أكثر من 2000 لاعب مُتنافس، ضمن أكثر من 200 فريق، ويشارك فيها حوالي 100 دولة، وتضم بطولة 2025 أكثر من 22 لعبة تغطي مختلف تصنيفات الألعاب مثل التصويت من منظور الشخص الأول، معارك MOBA، باتل رويال، الألعاب القتالية، الرياضية والاستراتيجية.

كما أعلنت مؤسسة كأس العالم للرياضات الإلكترونية عن انضمام النجم البرتغالي كريستيانو رونالدو كسفير عالمي للبطولة، وذلك لتعزيز مكانة البطولة كأكبر حدث تنافسي في تاريخ الألعاب الإلكترونية.

وبذلك يمكن القول، أن الرياضات الإلكترونية استطاعت أن تأخذ حيز كبير من اهتمامات الشباب على مستوى العالم، كما أنها لم تعد مجرد وسيلة ترفيه بل أصبحت جزء لا يتجزأ من اقتصاد الدول، وعلى الرغم من أنها نمت بشكل واسع وفي وقت قياسي، إلا أنه يبقى السؤال المطروح: هل ستتفوق الرياضات الإلكترونية على الرياضات التقليدية، أم ستبقى مكملة لها في عالم يجمع بين الواقع والافتراضي؟

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى