ثقافة وفن

العرض المسرحى ملحمة السراب

 

كتب رضا عواد

عندما لا تتعلم من أخطاء الماضى .. سيفنى عمرك وأنت تطارد سرابا حتى لو كان حقا مشروعا لك .
فى أطار المهرجان الأقليمى لأقليم شرق الدلتا الثقافى قدمت فرقة الشرقية القومية العرض المسرحى ملحمة السراب من تأليف الراحل سعد الله ونوس ومن إعداد عمر النادى وأخراج محمود عمران .
كعادة نصوص سعد الله ونوس تحمل فلسفة عميقة جدا تجسد لك الواقع المعاش أو الماضى وتستشرف المستقبل لذا فالتعامل مع نصوص ذاك الكاتب العبقرى أشبه بالتعامل مع شفرات متعددة تتطلب مخرج واعى يقوم بفك هذة الشفرات ولكن ليس مطلوبا منه أن يفهم كل من فى الصالة المراد من العمل بذات المستوى ولكن كل يفهم ولكن بنسب مختلفة وهذا ما تحقق .
العرض يتحدث عن عبود الغاوى الذى يعود بزيارة سنوية معتادة الى قريته القديمة ويقوم بعمل مشروعات تغير حياة الناس داخل القرية للأسواء تجعل الاخ يقتل اخاه والزوج يصبح ديوثا لا يغار على عرضه والشيخ يبيع دينه ودنياه وحتى الأب يبيع أبنته ليصبح الجميع يدور فى حلقة جهنمية يطاردون من خلالها سرابا وأحلام لن تتحقق طالما ظلوا هكذا .
على مستوى العرض فقد تم استخدام الترميز فى كل شئ واعتمد المخرج على التجريب فى كل جماليات العرض بداية الترميز من أسماء الشخصيات التى عبرت عن هوية كل شخصية الداخلية وأستخدام مشهد اول خطيئة على الأرض بمجرد فتح الستار لتتكرر مستقبلا بسبب المال وتكون أول خطيئة تحدث فى القرية لتتبدل احوالها تماما .
شخصية الزرقاء التى ترى اكثر مما تبصر وكأنها زرقاء اليمامة التى حذرت قومها ولكنهم لم يستمعوا اليها فكان مصيرهم الغناء
الشيخ الذى يكيف الشرع بما يناسب مصحلته دائما
شخصية الخادم الذى يمثل الكيان المحتل الذى يوحى لعبود الغاوى بكل افكاره الشيطانية ويساعد فى تنفيذها
بل يمكنك أن ترى أن كل شخصية تمثل دولة من الدول ودعنى إسميها بالذئب والحمقى فالذئب يمثله عبود الغاوى ومساعده الذين يرمزون للغرب وتابعهم الصهيونى والحمقى وهم يرمزون للدول العربية لينتهى الترميز بأن يسلم ياسين أبنته لعبود الغاوى وكأن العرب قد باعوا شرف عروبتهم
سينوغرافيا رائعة جدا بداية من الديكور الذى عبر عن عدة أشياء تخدم رؤية المخرج مثل الأنابيب التى تمثل شرايين دماء الشعوب وقفص صدرى فى لوحة فى الخلف ذو أنياب ليؤكدا ان عبود الغاوى او مايرمز اليه عبود الغاوى ما هو الا مصاص دماء
اضاءة اكثر من موفقة فى رسم حالات بديعة جدا وأيقاع منتظم للغاية للعرض دون لحظة واحدة من الملل
وتكتمل حالة الإبداع بموسيقى وغناء للعبقرى محمود البروماى التى اضافت سحر خاصا الى جانب استعراضات اكثر من رائعة تحت اشراف وليد المصرى .
على مستوى التمثيل حدث ولا حرج ابدع الجميع ولكن كان هناك لحظات من الافتعال للبعض بأن يقوموا بالتحدث بصوت عالى جدا أشبه بالصراخ رغم عدم وجود داعى لذلك
فى النهاية هو نوع مفضل من العروض الفلسفية فالمباشرة فى المسرح غير مطلوبة والا تحولنا الى وعاظ وهم كثر ولكن الفن يقدم النصيحة من خلال موقف درامى يجعلنا نعيش الحدث كأنه معنا فهل من الممكن ان تحدث للعرب لحظة افاقة ويكفوا عن مطاردة السراب ويجعلوا ما يريدون حقيقة ؟؟؟!

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى