مقالات

ايزيس تتكلم….[ ضياع العمر ]

بقلم . د . صفاء شمندي

إن أقسى الصور التي رسمها أنطون ‎ تشيخوف هي صورة “ضياع العمر” بكل أشكالها..

أن يضيع العمر مع الشخص الخطأ والعمل الخطأ والمكان الخطأ و الخيارات الخاطئه والقرارات الخطأ

أن تُخلص في عمل لن يعني لك شيئا مُستقبلا ، بل لن يشكُرك عليه أحد ولن يعرف أو يعترف أحد بكُل تضحياتك

أن ترتبط بإنسان لن يشعر بك ولم يعطيك حق قدرك ولا يعرف قيمتك ولن يفهمك في يوم من الأيام وتبقى صديقاً مُخلصا للغربة رغم أنفك

أن تمضي أفضل سنوات عمرك في أنتظار حدوث أمر وأنت تعلم أن نسبة حدوثه تتساوى مع نسبة نجاحك بالذهاب للمُذنب هالي سيرًا على الأقدام
ورغم هذا تقنع نفسك أن الغد فيه كُل الأمنيات ستتحقق وان تملك اليقين والرضا بكل ما قسمه الله

أن يضيع عمرك وأنت تنتظر أن تتخلص من الفقر والحزن واليأس والظلم وأن تعيش كما ينبغي ولو لأيام معدودة

أن تدفع الثمن باهظاً لقرار أرغمت عليه في يوم من الأيام وتوقعت أن أثره أنتهى ، فإذا بك ترى العمر كله توشح بالسواد نتيجة هذا القرار…

وعندما تنضج وتملك حريتك واصبحت سيد قرارك وتهيأت لك الظروف بعد الصبر و اكتمال رسالتك نحو الآخرين وتصمد وتتماسك لتتخذ قرارا تأخرت عليه لمدة أربعون عاما

تجد ان أعراض الشيخوخة تزحف إليك دون رحمة او استأذن وتصتدم بالخزلان لتتحطم أمامك جميع أحلامك التي أجلتها لسنوات
كي تنعم بالراحة والاستقرار والهدوء النفسي وتعويض ذاتك المنكسرة بحفنة من النوم الهاديء وبعضا من الضحكات الطفولية التي تخرج من نبضات قلبك الذي توقف منذ ولادتك

وتكتشف انك خلال السبعة وخمسين عاما كنت تحيا بصمام الصبر مع دعوات الفجر اليومية وتصتدم مرة أخرى بعد ان يتخلي العالم كله عنك ويتركك تكابد وحيدا هشا منكسرا حياة مؤلمة من بدايتها حتي هؤلاء من افنيت أيامك لسعادتهم هم أيضا ينظرون اليك بكل برود لساعات وأيام طويلة ينتظرون سقوطك ونهاية قصة الكفاح
ليتخلصوا من عقدة الذنب تجاهك وتجد نفسك حطام لإنسان لم يملك من هذه الدنيا سوي حروف إسمه التي لا تتعدي الأربعة حروف

وتجلس وحيدا منزويا تتحمل وحدك نتيجة قرار تأخرت كثيرا علي اتخاذه فضاع العمر وضاع الشباب وضاع الجمال وضاعت القدرة علي مواجهة الصعوبات
وخيم الشيب علي مفارق رأسك يعلن الإستعداد للموتة الكبري دون أن يعبأ بأحلامك المؤجلة دون أن يدري كم الحروب والصراعات والمشكلات والتضحيات ومرور الزمن الرابض بعمق الأمنيات

وتبدء رحلة الضياع الجديدة ولا تستطيع أن تسعد نفسك وتريح قلبك المنهك ولا يغمض جفنك من روع الصدمات وتجلس بدموع الألم تتحسر علي عمرك الماضي والات
لا تملك سوي اليقين برحمة الخالق والصبر والرضا بما كتب لك وتنتظر في صمت يوم وفاتك

يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم
وتفقد الرغبة في الحياة وعدم القدرة علي الراحة ولا تتذوق كما كنت تحلم كل ما لذا وطاب

وتدفن أحلامك وامانيك وجميع أيامك قبل أن يعلنوا خبر الوفاه
وتذهب رغم انفك لنهاية رحلتك بعد ان استنفذ رصيدك من متاع الدنيا ويستقر جسدك في حفرة وتغطي بالتراب

ورحمة الله عليك يا من كنت يوما تحلم بالحياة .

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى